رواية الاديب وليم شكسبيرمن روائع الادب العالمي
بعنوان تاجر البندقية
في مدينة فينيسيا "البندقية" بإيطاليا، كان اليهودي الجشع "شيلوك" قد جمع ثروة طائلة من المال الحرام .. فقد كان يقرض الناس بالربا الفاحش .. وكانت مدينة "البندقية" في ذلك الوقت من أشهر المدن التجارية، ويعيش فيها تجّار كثيرون من المسيحيين .. من بينهم تاجر شاب اسمه "أنطونيو".
كان "أنطونيو" ذا قلب طيب كريم .. وكان لا يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون أن يحصل من المقترض على أي ربا أو فائدة. لذلك فقد كان اليهودي "شيلوك" يكرهه ويضمر له الشر بالرغم مما كان يبديه له من نفاق واحترام مفتعل.
وفي أي مكان كان يلتقي فيه "أنطونيو" و "شيلوك" كان "أنطونيو" يعنفه ويوبخه، بل ويبصق عليه ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال. وكان اليهودي يتحمل هذه المهانة، وفي الوقت نفسه كان يتحين أية فرصة تسنح له للإنتقام من "أنطونيو".
وكان جميع أهالي "البندقية" يحبون "أنطونيو" ويحترمونه لما عرف عنه من كرم وشجاعة، كما كان له أصدقاء كثيرون يعزهم ويعزونه .. ولكن أقرب الأصدقاء وأعزهم على قلب "أنطونيو" كان صديقاً شاباً اسمه "بسانيو" .. وهو نبيل من طبقة نبلاء البندقية، إلا أنه كان صاحب ثروة بسيطة، أضاعها وبددها بالإسراف الشديد على مظاهر حياته .. وكلما كان يحتاج إلى المزيد من النقود ليصرفها، كان يلجأ إلى صديقه "أنطونيو" الذي كان لا يبخل عليه أبداً ويعامله بكل كرم يليق به كصديق من أعز أصدقائه.
وفي أحد الأيام قال "بسانيو" لصديقه "أنطونيو" أنه مقبل على الزواج من فتاة ثرية ورثت عن أبيها ممتلكات وثروة كبيرة .. وإنه يحتاج إلى ثلاثة آلاف من الجنيهات حتى يبدو مظهره أمامها كعريس يليق بها.
ولكن "أنطونيو" لم يكن يمتلك هذا المبلغ في ذلك الوقت .. كان ينتظر سفنه القادمة المحمّلة بالبضائع التي يمكن أن يبيعها عند وصولها .. ولكي يلبي "أنطونيو" طلب صديقه العزيز، قرّر أن يقترض هذا المبلغ من اليهودي "شيلوك" .. على أن يرد له هذا الدين وفوائده فور وصول سفنه المحملة بالبضائع.
وذهب الصديقان إلى "شيلوك" وطلب "أنطونيو" منه أن يقرضه مبلغ ثلاثة آلاف من الجنيهات بأي نسبة فائدة يطلبها، مع وعد بأن يرد إليه القرض وفوائده عند وصول السفن في موعد قريب ..
هنا سنحت الفرصة التي كان يتحينها اليهودي "شيلوك" للتاجر "أنطونيو" .. ودارت في ذهن اليهودي أفكار الشر والأذى والانتقام .. وظل يفكر طويلاً فيما عساه يصنعه بهذا التاجر الذي يعطي للناس نقوداً بلا فائدة: هذا التاجر الذي يكرهني ويكره شعبنا اليهودي كله .. إنه يسبني ويلعنني ويسميني بالكافر .. وبالكلب الأزعر .. ويبصق على عبائتي كلما رآني .. وهاهي الفرصة قد سنحت أمامي لكي أنتقم .. وإذا لم أغتنم هذه الفرصة فلن يغفر لي ذلك أهلي وعشيرتي من اليهود الآخرين ..
قال "شيلوك" وهو يخفي الحقد والكراهية في قلبه: يا سنيور "أنطونيو" .. كثيراً ما شتمتني ولعنتني وركلتني بقدمك كما لو أني كلب من الكلاب .. وهأنتذا جئتني وتطلب مني أن أساعدك بثلاثة آلاف من الجنيهات .. فهل تظن يا سيدي أن كلباً يمكنه أن يقدم لك هذا القرض ..؟!
فقال "أنطونيو" بشجاعة: حتى لو أقرضتني هذه النقود، فسوف أظل أدعوك كلباً وأركلك بقدمي وأبصق عليك وعلى عباءتك .. اقرضني هذه النقود وافرض وزد عليها ما شئت من فوائد تطمع فيها .. وسوف يكون لك الحق في أن تفرض علي ما شئت من عقاب إذا لم أردها إليك في الوقت المتفق عليه.
وعندئذ قال "شيلوك" بكل خبث ودهاء إنه على استعداد أن يقدم لأنطونيو هذا القرض بدون فوائد على الإطلاق .. ولكن بشرط واحد: هو أن يذهبا معاً الى المحامي، وأن يوقع "أنطونيو" على عقد يبدو كما لو كان مزاحاً، يتيح لليهودي "شيلوك" أن يقطع رطلاً من لحم "أنطونيو" ومن أي جزء يختاره "شيلوك" من جسم "أنطونيو" وذلك إذا لم يرد إليه الآلاف الثلاثة من الجنيهات في موعد محدد!
وحاول "بسانيو" أن يثني صديقه "أنطونيو" عن توقيع هذا العقد اليهودي الماكر .. ولكن "أنطونيو" صمم على التوقيع دون خوف .. لأن سفنه وبضائعه ستصل قبل أن يحل موعد السداد بمدة كافية .. ولكن تكون هناك فرصة أمام "شيلوك" لتنفيذ هذا المزاح ..
وهكذا وقع "أنطونيو" على العقد ..!
أما الفتاة الثرية التي يحبها "بسانيو" ويتمنى الزواج منها فقد كان اسمها "بورشيا" .. وكانت تتمتع إلى جانب أخلاقها الرفيعة ورجاحة عقلها بثروة طائلة ورثتها عن أبيها .. وكانت لها وصيفة اسمها "نيرسا" .. وكانت "بورشيا" تعيش في منطقة "بلمونت" القريبة من البندقية.
وبعد أن حصل "بسانيو" على النقود، التي اقترضها صديقه "أنطونيو" من اليهودي "شيلوك" أخذ طريقه إلى "بلمونت" ليعرض الزواج على حبيبته "بورشيا" وكان قد اصطحب معه تابعه المهذب "جراتيانو" ومجموعة من الخدم الذين يرتدون ملابس حسنة المنظر ليكونوا في خدمته مؤتمرين بأمره ..
ووافقت "بورشيا" على الزواج من "بسانيو" بسعادة غامرة .. واعترف لها "بسانيو" بأن ممتلكاته قليلة .. وأن الشيء الوحيد الذي يفخر به هو انتماؤه إلى أسرة عريقة من النبلاء .. فقالت له "بورشيا" إنها تهبه نفسها وكل أملاكها .. وأنه من الآن فصاعداً هو رب البيت ومن حقه أن يتصرف في كل شيء .. وخلعت الخاتم من أصبعها وأهدته إليه، وطلبت منه ألا يفرّط في هذا الخاتم أبداً ..
وكان التابع "جراتيانو" والوصيفة "نيرسا" يحبان بعضهما ويرغبان في تتويج هذا الحب بالزواج .. لذلك فما أن علما بأن سيديهما سيتزوجان، حتى أعلن "جراتيانو" أنه يرغب في الزواج من "نيرسا".
ووافق السيدان على ذلك بكل سرور.
***********
ولكن لحظة الهناء هذه لم تستمر طويلاً .. فقد وصل إلى "بسانيو" خطاب يتضمن أنباء مزعجة ومفزعة، فشحب وجهه وسألته "بورشيا" عن سر اضطرابه، فقال لها بكل صدق إنه مدين لصديقه العزيز "أنطونيو" بمبلغ ثلاثة آلاف من الجنيهات .. وقد اقترض صديقه هذا المبلغ من اليهودي "شيلوك" بناءً على عقد يعطي لليهودي الحق في قطع رطل من لحم "أنطونيو" إذا لم يسدد إليه هذا القرض في موعد محدد.
وأراها الخطاب الذي وصله من صديقه الوفي "أنطونيو" والذي يحمل أنباء سيئة .. وكان الخطاب يقول: "عزيزي بسانيو" .. فقدت كل سفني .. ولم أستطيع سداد القرض "لشيلوك" .. بعد أن حل موعد الدفع .. ومعنى ذلك أن اليهودي سيقطع رطلاً من لحمي من أي جزء من جسمي .. وسوف تنتهي حياتي وكل ما أتمناه أن أراك قبل موتي ..
تأثرت "بورشيا" كثيراً بالمصير المؤلم لهذا الصديق المخلص النبيل .. وقالت إن على "بسانيو" أن يرحل فوراً إلى مدينة "البندقية" ومعه أضعاف هذا المبلغ ليحاول تصحيح هذا الخطأ، وينقذ صديقه من براثن اليهودي "شيلوك" .. ووعدته بأنها سوف تبذل كل جهدها بالوقوف إلى جانبه في هذه المشكلة.
ولكن لكي يصبح "لبسانيو" الحق في التصرف في أموال "بورشيا" فقد كان لا بد أن يتم زواجهما فوراً .. فتزوجا .. وتزوج أيضاً "جراتيانو" و "نيرسا"..
وفور إتمام كل هذه الإجراءات، سافر "بسانيو" وتابعه "جراتيانو" إلى البندقية فوجدا "أنطونيو" محبوساً في السجن ..
وحاول "بسانيو" أن يتفاهم مع اليهودي "شيلوك" الذي رفض قبول الثلاثة آلاف من الجنيهات التي قدمها إليه "بسانيو" .. وأصر "شيلوك" على أن يقوم بقطع رطل من لحم "أنطونيو" طبقاً لما تم الاتفاق عليه في العقد وبعد أن فات ميعاد السداد..
وتحدد موعد لمحاكمة "أنطونيو" أمام دوق "البندقية" ووقع "بسانيو" في قلق بالغ وحيرة شديدة..
بعد رحيل "بسانيو" خافت "بورشيا" أن يفشل "بسانيو" في إنقاذ هذا الصديق الوفي النبيل الذي ضحى بحياته من أجل زوجها .. وقررت بينها وبين نفسها أن تذهب إلى "البندقية" لتدافع عن هذا الصديق النبيل أمام المحكمة .. ولكن كيف؟!
كان أحد أقارب "بورشيا" محامياً كبيراً اسمه "بلاريو" فقامت بالكتابة إليه بكل تفاصيل المشكلة .. وطلبت منه أن يعطيها النصيحة في كيفية الدفاع .. كما طلبت منه أيضاً أن يعيرها روب المحاماة حتى يمكنها الوقوف به أمام المحكمة، وسرعان ما وصلها رد المحامي "بلاريو" متضمناً كل النصائح والتفاصيل خطوة خطوة.
وهكذا تزيت "بورشيا" ووصيفتها "نيرسا" بزي الرِّجال، وارتدت "بورشيا" روب المحاماة، وقامت "نيرسا" بدور كاتب المحامي .. وشدتا الرِّحال إلى البندقية ..
ودخلت الفتاتان إلى قاعة المحكمة التي كانت منعقدة برئاسة دوق البندقية ومجموعة من المستشارين. وسلمت "بورشيا" إلى المحكمة خطاباً بتوقيع المحامي الكبير "بلاريو" يقول فيه إنه كان ينوي الحضور إلى البندقية للدفاع بنفسه عن "أنطونيو" ولكنه يعتذر عن الحضور بسبب مرضه ..
ويفوّض الشاب المثقف الدكتور "بالتازار" وهو الاسم الذي سميت به "بورشيا" ليقوم بالدفاع نيابة عنه ..
وقبل الدوق هذا الخطاب ووافق على أن يقوم الدكتور "بالتازار" بالدفاع عن "أنطونيو" بالرغم من صغر عمره وبالرغم من ملامحه الغضة الرقيقة التي تشع بالنضارة ..!
ودارت "بورشيا" بعينيها في قاعة المحكمة .. وشاهدت خصمها اليهودي الجشع "شيلوك" الذي خلا قلبه من الرحمة .. كما شاهدت زوجها "بسانيو" الذي لم يستطع التعرف عليها وهي مرتدية ملابس الرِّجال وروب المحاماة .. وكان واقفاً إلى جوار صديقه الحميم "أنطونيو"، وقلبه مفعم بالحزن والأسى.
***********
وقالت "بورشيا" أو "الدكتور بالتازار المحامي" دفاعاً عن "أنطونيو" أنه طبقاً لقوانين "البندقية" فلا بد من تنفيذ الاتفاق الذي تم في هذا العقد .. وطلبت العقد من "شيلوك" لتقرأه .. ثم قالت إن هذا العقد يعطي الحق لليهودي "شيلوك" أن يقطع رطلاً من لحم "أنطونيو" .. ولكن الرحمة ضرورية وواجبة .. إن تحقيق العدالة لا بد أن يتم بالرحمة. وظلت تستعطف اليهودي لكي يكون رحيماً بخصمه ما دام المدين قادراً على رد الدين ودفع الثلاثة آلاف من الجنيهات.
وعندئذ قال "بسانيو" أنه مستعد أن يرد لليهودي هذا المبلغ أضعافاً مضاعفة .. ولكن "شيلوك" لم يستجب لأي عرض، وأصر على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في العقد, وأن يقطع رطلاً من لحم "أنطونيو".
وهنا تظاهرت "بورشيا" بقبولها لحكم القانون .. والتفتت إلى "أنطونيو" وطلبت منه أن يكشف صدره ويستعد لهذه العملية القاسية التي سيقوم بها اليهودي ..
وأخذ اليهودي يسن سكينه الحادة ..
تساءلت "بروشيا" عن وجود الميزان الذي سيستخدم في وزن رطل اللحم .. وقالت لليهودي: قبل أن تقوم بقطع الرطل من لحم "أنطونيو" يجب أن تحضر طبيباً حتى لا ينزف دمه إلى أن يموت ..
فقال "شيلوك" بغيظ: إن ذلك غير منصوص عليه في العقد.
فقالت "بورشيا": نعم إن العقد يعطيك الحق في رطل من لحم "أنطونيو" ولكنه لا يعطيك الحق في أن تجعله ينزف دماً .. إن إراقة الدماء جريمة يعاقب عليها القانون .. فعليك أن تقطع رطل اللحم دون أن تريق ولو قطرة واحدة من دم هذا المسيحي .. وإلا فإن قوانين "البندقية" ستطبق عليك فوراً .. فتصادر جميع ممتلكاتك وجميع بضائعك وأموالك وتصبح حقاً لحكومة البندقية!
وهنا هلل جميع الحاضرين في المحكمة فرحين .. لقد أصبح من المحال على اليهودي "شيلوك" أن ينفذ خطته الوحشية الدنيئة .. لذلك فقد اضطر إلى الاستسلام فوراً وأن يقوم في يأس: إذن أعطوني نقودي وسأنصرف إلى حال سبيلي!
عندئذ صاح "بسانيو" متسرعاً: ها هي نقودك فخذها .. ولكن "بورشيا" قاطعته قائلة: انتظر .. إن العقد لا ينص إلا على حق اليهودي في أن يقطع رطلاً من لحم مدينه إذا فات ميعاد السداد ولم يقم المدين برد الدين .. فإذا استطاع اليهودي أن يقطع رطل اللحم دون أن يريق دم المدين فعليه أن يقوم بذلك الآن .. ثم إن هذا اليهودي قد ارتكب جريمة يعاقب عليها قانون "البندقية" .. هذه الجريمة هي التآمر على حياة أحد مواطني المدينة .. ولأنك يا "شيلوك" قد تآمرت على حياة "أنطونيو" فإن جميع أموالك ستصادر لصالح حكومة "البندقية" .. أما حياتك أو إعدامك .. فذلك أم متروك لرحمة الدوق رئيس المحكمة ليحكم ضدك بما يشاء طبقاً للقانون .. فهيّا اركع على ركبتيك والتمس العفو عنك أو الرحمة بك !!
وقال الدوق رئيس المحكمة: لقد عفونا عنك دون أن تتوسل إلينا .. أما ثروتك وممتلكاتك فقد حكمنا بمصادرتها على أن يؤول نصفها إلى "أنطونيو" الذي كنت ستتسبب في موته .. ويؤول النصف الآخر إلى حكومة البندقية.
ولأن "أنطونيو" كان طيباً وكريماً فقد أبدى استعداده للتنازل عن نصيبه إلى "شيلوك" بشرط أن يوقع على وصية تنص على أن تؤول ثروته بعد موته إلى ابنته وزوجها ..
فقد كان "أنطونيو" يعلم أن لهذا اليهودي ابنة وحيدة، أحبت وتزوجت شاباً مسيحياً اسمه "لورنزو" وهو صديق عزيز من أصدقائه .. فغضب اليهودي على ابنته وقرّر أن يحرمها من ميراثه وَتَرِكَته بعد موته ..
واستسلم اليهودي ولم يجد مفراً .. واضطر أن يقبل كل ذلك .. وبعدئذ حكم الدوق بإطلاق سراح "أنطونيو" وانتهت المحاكمة.
وعندئذ تقدم "بسانيو" إلى الدكتور "بالتازار" المحامي ليشكره على دفاعه الذكي الذي أنقذ حياة صديقه "أنطونيو" .. ولم يكن "بسانيو" يعلم أن هذا المحامي ما هو إلا زوجته "بورشيا" .. وقال "بسانيو" بكل شر وامتنان: إن تقديرنا لك لا يقدر بثمن وأرجوك أن تقبل الآلاف الثلاثة من الجنيهات التي كنا سندفعها إلى اليهودي كأتعاب لك ..
رفضت "بورشيا" أن تأخذ النقود .. ولكن "بسانيو" أصر على المحامي أن يقبل أي هدية يحددها .. وعندئذ قالت "بورشيا": إذن أعطني قفازك هذا!
وعلى الفور خلع بسانيو قفازه وأعطاه للمحامي وعندما شاهدت "بورشيا" الخاتم الذي أهدته إليه ووعدها بألاّ يُفرِّط فيه أبداً .. قالت له: أرجوك .. أعطني هذا الخاتم وسوف أقبله كهدية بدلاً من الأتعاب ..!
شحب وجه "بسانيو" وشعر بحرج شديد وقال معتذراً: بأن هذا الخاتم بالذات هدية من زوجته العزيزة ولا يستطيع أن يُفرِّط فيه أو يتصرف فيه .. وأنه على استعداد لشراء أغلى وأثمن خاتم في "البندقية" وتقديمه هدية للمحامي .. ولكن "بورشيا" أصرت على أخذ الخاتم الذي يلبسه "بسانيو" في اصبعه.
وانصرفت وهي تتظاهر بالغضب .. وانصرفت وراءها وصيفتها "نيرسا" التي كانت متنكرة في زي كاتب المحامي .. وعندئذ اقترح "أنطونيو" على صديقه "بسانيو" أن يعطي الخاتم للمحامي وأن يعتذر لزوجته عن هذا التصرف .. وازداد حرج "بسانيو" وخاف أن يتهم بأنه ناكر للجميل، فخلع الخاتم وأعطاه لتابعه "جراتيانو" ليلحق بالمحامي ويعطيه إياه ..
وعندما أخذت "بورشيا" الخاتم، طلبت من "جراتيانو" أن يبلغ شكرها لسيده .. وهنا طلبت "نيرسا" من زوجها "جراتيانو"، الذي لم يعرفها وهي متنكرة في زي الرِّجال، أن يعطيها الخاتم الذي يلبسه في إصبعه (وكانت "نيرسا" قد أهدت لزوجها هذا الخاتم وأقسم لها ألاّ يفرِّط فيه)، ولم يجد "جراتيانيو" مناصاً سوى أن يخلع الخاتم ويقدمه إلى الكاتب .. وانصرفت "بورشيا" ووصيفتها عائدتين إلى بيتهما.
جلست الزوجتان "بورشيا" و "نيرسا" تنتظران عودة زوجيهما "بسانيو" و "جراتيانو" .. ووصل الزوجان ومعهما "أنطونيو" ليتعرف على زوجة صديقه الكريمة، وما هي إلا لحظات حتى نشب شجار بين "جراتيانو" و "نيرسا" التي اكتشفت أن زوجها قد فرَّط في الخاتم الذي أهدته له، واتهمته بأنه أعطاه لامرأة أخرى .. وعندما حاولت "بورشيا" التدخل لفض النزاع بين الزوجين، اكتشفت هي الأخرى أن زوجها "بسانيو" قد فرَّط في الخاتم الذي أهدته له، واتهمته بأنه قد أعطاه لامرأة أخرى.
وعبثاً حاول الزوجان أن يقنعا زوجتيهما بأنهما قد أعطيا الخاتمين للمحامي وكاتب المحامي، وذلك بعد أن رفض المحامي أن يأخذ أتعاباً سوى الخاتم الذي كان يلبسه "بسانيو".
وتظاهرت الزوجتان بالحزن والغضب .. بينما ساد حزن حقيقي في قلب كل من الرِّجال الثلاثة .. وكان "أنطونيو" أشدهم حزنا .. لذلك فقد قال "لبورشيا" بتأثر: سيدتي .. أرجو أن تغفري لي لأني تسببت في هذا الشجار .. وفي أن زوجك الكريم قد أعطى الخاتم للمحامي الذكي العظيم الذي أنقذ حياتي .. وإني على يقين يا سيدتي بأن زوجك سيحافظ على ثقتك فيه طوال حياته.
وعندئذ قالت "بورشيا": ولأجل خاطرك يا سيدي .. فسوف أعيد إليه هذا الخاتم .. وهو نفس الخاتم الذي أهديته من قبل .. وفوجئ الرِّجال بأن المحامي الدكتور "بالتازار" لم يكن سوى "بورشيا" نفسها .. وأن كاتب المحامي لم يكن سوى "نيرسا" .. وفرح الرِّجال كثيراً بهذه المفاجأة .. وفرحوا أكثر وأكثر عندما أعطت "بورشيا" "لأنطونيو" خطاباً يحمل أنباء طيبة بأن سفنه قد وصلت سالمة ولم تلحق بها أية خسارة.
وهكذا انتهت حكاية تاجر البندقية بهذا الحظ السعيد .. وهذا الضحك الصادر من القلب على حكاية الخاتمين .. وحكاية الزوجين اللذين لم يتعرفا على زوجتيهما عندما تنكرتا في زي الرِّجال